الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَعَكْسُهُ، وَلَا أُنْمُلَةٌ بِأُخْرَى، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.
الشَّرْحُ: (بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ) بِكَسْرِ الْقَافِ مِنْ الْقَصِّ، وَهُوَ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ: إذَا تَبِعَهُ لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ الْجَانِيَ إلَى أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ (وَمُسْتَوْفِيهِ وَالِاخْتِلَافُ) بَيْنَ الْجَانِي وَخَصْمِهِ (فِيهِ) وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْمُصَالَحَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَقَدَ الْمُصَنِّفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فَصْلًا غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ تَرْتِيبَ التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِلَافِ عَلَى فَصْلِ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ (لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ) مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَنْخَرٍ (بِيَمِينٍ) لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ الْعَكْسُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَ) لَا (عَكْسُهُ) وَلَا جَفْنٌ أَعْلَى بِأَسْفَلَ وَلَا عَكْسُهُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقَطْعِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا، وَلَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ بَدَلًا قِصَاصٌ بَلْ دِيَةٌ، وَيَسْقُطُ قِصَاصُ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لَا تُقْطَعُ أَوْلَى مِنْهُ لَا تُؤْخَذُ لِشُمُولِهِ لِلْمَعَانِي وَفَقْءِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ (وَلَا) تُقْطَعُ (أُنْمُلَةٌ) بِفَتْحِ هَمْزَتِهَا وَضَمِّ مِيمِهَا فِي أَفْصَحِ لُغَاتِهَا التِّسْعِ، وَهِيَ: فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْمِيمِ (بِأُخْرَى) وَلَا سِنٌّ بِأُخْرَى لِأَنَّهَا جَوَارِحُ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ وَالْأَمَاكِنِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ بِأُخْرَى كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَلَا) عُضْوٌ (زَائِدٌ) فِي مَحَلٍّ (بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ) كَأَنْ تَكُونَ زَائِدَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْتَ الْخِنْصَرِ وَزَائِدَةُ الْجَانِي تَحْتَ الْإِبْهَامِ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ الزَّائِدِ الْحُكُومَةُ، وَلَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ وَلَا زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ إذَا كَانَ الزَّائِدُ نَابِتًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ نَبَاتِ الْأَصْلِيِّ، وَإِلَّا فَيُقْطَعُ بِهِ إذَا رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ تُؤْخَذُ بِالصَّحِيحَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ الزَّائِدُ بِالزَّائِدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ زَائِدَةُ الْجَانِي أَتَمَّ كَأَنْ كَانَ لِأُصْبُعِهِ الزَّائِدَةِ ثَلَاثُ مَفَاصِلَ، وَلِزَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَفْصِلَانِ. فَلَا يُقْطَعُ بِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلَا حَادِثَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِأَصْلِيٍّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ قَلَعَ سِنًّا لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ نَبَتَ لَهُ مِثْلُهَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَ الْجِنَايَةِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّنِّ.
المتن: وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ وَطُولٍ وَقُوَّةِ بَطْشٍ فِي أَصْلِيٍّ، وَكَذَا زَائِدٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَضُرُّ) فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ (تَفَاوُتُ كِبَرٍ) وَصِغَرٍ (وَطُولٍ) وَقِصَرٍ (وَقُوَّةِ بَطْشٍ) وَضَعْفِهِ (فِي) عُضْوٍ (أَصْلِيٍّ) قَطْعًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ كَمَا فِي النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ لَتَعَطَّلَ حُكْمُ الْقِصَاصِ غَالِبًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَدٌ أَقْصَرَ مِنْ أُخْتِهَا قَطَعَهَا الْجَانِي وَهُوَ مُسْتَوِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بَلْ فِيهَا دِيَتُهَا نَاقِصَةُ حُكُومَةٍ، حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لَكِنَّ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ هُنَا وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ إذَا كَانَ بِجِنَايَةٍ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ أَوْجَهُ (وَكَذَا) عُضْوٌ (زَائِدٌ) لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّفَاوُتُ الْمَذْكُورُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعُضْوِ الزَّائِدِ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِذَا كَانَ عُضْوُ الْجَانِي أَكْبَرَ كَانَتْ حُكُومَةً أَكْثَرَ فَلَا يُؤْخَذُ بِاَلَّذِي هُوَ أَنْقَصُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ فِيهِ بِالنَّصِّ، فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِ.
المتن: وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ طُولًا وَعَرْضًا.
الشَّرْحُ: (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ) بِالْمِسَاحَةِ (طُولًا وَعَرْضًا) فِي قِصَاصِهَا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا، فَيَكُونُ جُزْءُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَقَعُ الْحَيْفُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ فِيهَا بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْمِسَاحَةِ أَدَّى إلَى أَخْذِ الْأَنْفِ بِبَعْضِ الْأَنْفِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ} وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ، فَاعْتُبِرَتْ بِالْمِسَاحَةِ، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهِ: أَنْ تُذْرَعَ مُوضِحَةُ الْمَشْجُوجِ بِعُودٍ أَوْ خَيْطٍ، وَيُحْلَقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ، وَيُخَطَّ عَلَيْهِ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُضْبَطَ الشَّاجُّ كَيْ لَا يَضْطَرِبَ وَيُوضَحَ بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ كَالْمُوسَى لَا بِسَيْفٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَوْضَحَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي إذْ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجَانِي مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّقِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا، هَذَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْأَشْبَهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ جِنَايَتِهِ إنْ أَوْضَحَ دَفْعَةً فَدَفْعَةً، أَوْ التَّدْرِيجُ فَالتَّدْرِيجُ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ النِّزَاعِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِقُ الشَّعْرَ عِنْدَ الِاقْتِصَاصِ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَالَ الْجِنَايَةِ شَعْرٌ فَإِنْ كَانَ بِرَأْسِ الشَّاجِّ شَعْرٌ دُونَ الْمَشْجُوجِ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا قَوَدَ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ شَعْرٍ لَمْ يُتْلِفْهُ الْجَانِي، وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وُجُوبُهُ بَعْدَ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ مَوْضِعِ الشَّجَّةِ وَعَزَا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْأَوَّلَ عَلَى فَسَادِ مَنْبَتِ الْمَشْجُوجِ وَالثَّانِي عَلَى مَا لَوْ حَلَقَ، وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّ الشَّعْرَ الْكَثِيفَ تَجِبُ إزَالَتُهُ لِيَسْهُلَ الِاسْتِيفَاءُ وَيَبْعُدَ عَنْ الْغَلَطِ. قَالَ: وَالتَّوْجِيهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ ا هـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ.
المتن: وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ) فِي قِصَاصِهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ يَتَعَلَّقُ بِانْتِهَاءِ الْجِرَاحَةِ إلَى الْعَظْمِ وَالتَّفَاوُتُ فِي قَدْرِ الْعِوَضِ قَلَّ مَا يَتَّفِقُ فَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْهُ كَمَا يُقْطَعُ النَّظَرُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فِي الْأَطْرَافِ.
المتن: وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ اسْتَوْعَبْنَاهُ وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَالْقَفَا، بَلْ يُؤْخَذُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَوْضَحَ) شَخْصٌ آخَرَ فِي بَعْضِ رَأْسِهِ وَقَدْرُ الْمُوضِحَةِ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ رَأْسِ الشَّاجِّ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَالْقِصَاصُ الْمُمَاثَلَةُ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْمُوضِحَةِ إلَّا بِالْمِسَاحَةِ وَقَدْ اسْتَوْعَبَتْ الْمِسَاحَةُ رَأْسَهُ فَوَجَبَ، وَإِنْ زَادَ حَقُّهُ عَلَى جَمِيعِ رَأْسِ الشَّاجِّ أَوْ وَضَحَ (كُلَّ رَأْسِهِ) أَيْ الْمَشْجُوجِ (وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ) مِنْ رَأْسِهِ (اسْتَوْعَبْنَاهُ) إيضَاحًا، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ (وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَالْقَفَا) لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ سَائِرَ الْجَوَانِبِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَوْضَحَ جَبْهَتَهُ، وَجَبْهَةُ الْجَانِي أَضْيَقُ لَا يَرْتَقِي لِلرَّأْسِ لِمَا ذُكِرَ (بَلْ يُؤْخَذُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا) لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ مَثَلًا فَالْمُتَمَّمُ بِهِ ثُلُثُ أَرْشِهَا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ بِالْمِسَاحَةِ.
المتن: وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ أُخِذَ قَدْرُ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى الْجَانِي.
الشَّرْحُ: (وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ (أُخِذَ) مِنْهُ (قَدْرُ) مُوضِحَةِ (رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ) مُعْتَبَرًا بِالْمِسَاحَةِ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ (وَالصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي) تَعْيِينِ (مَوْضِعِهِ إلَى الْجَانِي) لِأَنَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَدَّى مِنْهُ تَعَيَّنَ كَمَا فِي الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ، فَقَوْلُهُمْ: إنَّ الرَّأْسَ كُلَّهَا مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فِيمَا إذَا اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
المتن: وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً، وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ.
الشَّرْحُ: وَكَذَا لَوْ أَوْضَحَ مَنْ بِهِ مُوضِحَةٌ غَيْرُ مُنْدَمِلَةٍ غَيْرَهُ فِي مَوْضِعِ مُوضِحَتِهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ انْدَمَلَتْ مُوضِحَتُهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ. وَالثَّانِي الِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَرْسِلٌ فِي الذِّمَّةِ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَ قَدْرُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا أَوْضَحَهُ مِنْهُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْ رَأْسِهِ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُقَابَلَةِ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا تَتَبَعَّضُ مَعَ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا قِصَاصًا وَأَرْشًا، بِخِلَافِ الْمُوضِحَتَيْنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِي إحْدَاهُمَا وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْأُخْرَى (وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً) مِنْ شَخْصٍ (وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ) مِنْ نَاصِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ) مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُقَدَّمَةٍ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّهُمَا عُضْوَانِ.
المتن: وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ) عَمْدًا (فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ) لِتَعَمُّدِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ انْدِمَالِ مُوضِحَتِهِ (فَإِنْ كَانَ) الزَّائِدُ (خَطَأً) كَأَنْ اضْطَرَبَتْ يَدُهُ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (أَوْ) عَمْدًا، وَ (عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ) لِأَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَتَغَايُرُ الْحُكْمِ كَتَعَدُّدِ الْجَانِي (وَقِيلَ قِسْطُ) الزِّيَادَةِ فَقَطْ بَعْدَ تَوْزِيعِ الْأَرْشِ عَلَيْهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الضَّمَانِ فِي الْخَطَأِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ بِاضْطِرَابٍ مِنْ الْجَانِي فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ اضْطِرَابِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: تَوَلَّدَتْ بِاضْطِرَابِكَ فَأَنْكَرَ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ: تَصْدِيقُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ تَمْكِينَ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ فِي الطَّرَفِ فِي الْأَصَحِّ، فَقِيلَ كَلَامُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ أَوْ مَحْمُولٍ عَلَى مَا إذَا بَادَرَ وَاسْتَوْفَى الطَّرَفَ فَزَادَ عَلَى حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ الطَّرَفِ، وَصَوَّرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَرْضَى الْجَانِي بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحِقِّ وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْتَوْفِيَ زَائِدًا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ.
المتن: وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَهَا، وَقِيلَ قِسْطُهُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ) بِتَحَامُلِهِمْ عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ جَرُّوهَا مَعًا (أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ مُوضِحَةً (مِثْلَهَا) إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَكُلُّ وَاحِدٍ جَانٍ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ (وَقِيلَ قِسْطُهُ) مِنْهَا لِإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ وَيُوضَحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الطَّرَفِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحَ وُجُوبِ دِيَةِ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِإِيجَابِ الْقِسْطِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَقَطْعِ الطَّرَفِ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ، وَلَا كَذَلِكَ الطَّرَفُ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ عَزْوُ الْأَوَّلِ إلَى الْبَغَوِيِّ وَالثَّانِي إلَى الْإِمَامِ وَنُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الصَّوَابِ.
المتن: وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، فَلَوْ سَرَى فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ، وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَيَقْنَعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا.
الشَّرْحُ: (وَلَا تُقْطَعُ) يَدٌ أَوْ رِجْلٌ (صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ) بِالْمَدِّ إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ، وَالشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَإِنْ رَضِيَ) بِهِ (الْجَانِي) أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ تُفْهِمْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ وَقْتَهَا (فَلَوْ) خَالَفَ صَاحِبُ الشَّلَّاءِ وَ (فَعَلَ) الْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي (لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ (بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا) وَلَهُ حُكُومَةُ يَدِهِ الشَّلَّاءِ (فَلَوْ سَرَى) الْقَطْعُ (فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ) لِتَوْفِيَتِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْهَا وَلَمْ يَقُلْ: قِصَاصًا فَقَطَعَهَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ لِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْقَطْعِ، وَإِنْ قَالَ اقْطَعْهَا قِصَاصًا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ قِصَاصًا، بَلْ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَطَعَهُ، وَعَلَى الْجَانِي الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِلْ عُضْوَهُ مَجَّانًا. وَالثَّانِي يَقَعُ وَكَأَنَّ الْجَانِيَ أَدَّى الْجَيِّدَ عَنْ الرَّدِيءِ وَقَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ. أَمَّا إذَا سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالشَّلَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّفْسُ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزْهَاقِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُؤْخَذُ بِالشَّلَّاءِ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ تَنْحَسِمْ الْعُرُوقُ وَيُطْرَدُ ذَلِكَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَتُؤْخَذُ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا أَوْ فَاقِدَتِهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ. (وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِشَلَّاءَ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا اسْتَوَيَا فِي الشَّلَلِ، أَوْ كَانَ شَلَلُ الْجَانِي أَكْثَرَ وَلَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ، وَإِلَّا فَلَا تُقْطَعُ، وَتُقْطَعُ أَيْضًا (بِالصَّحِيحَةِ) كَمَا عُلِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) أَيْ عَدْلَانِ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ (لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ) بَلْ تَنْفَتِحُ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ وَلَا تَنْسَدُّ بِحَسْمِ النَّارِ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا تُقْطَعُ بِهَا وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأُمُّ حَذَرًا مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ، فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (يَقْنَعُ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا) بِأَنْ لَا يَطْلُبَ أَرْشًا لِلشَّلَلِ فَيُقْطَعُ حِينَئِذٍ بِالصَّحِيحَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجُرْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقَابَلُ بِمَالٍ، وَلِذَا لَوْ قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ أَوْ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لَمْ يَجِبْ لِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ أُصْبُعًا حَيْثُ تُؤْخَذُ دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ تُفْرَدُ بِالْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قُدِّمَ قَوْلُهُ: وَيَقْنَعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَقُولَ إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ. وَلَوْ قَطَعَ الْأَشَلُّ مِثْلَهُ ثُمَّ صَحَّ الْقَاطِعُ لَمْ يُقْطَعْ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ إذَا عَادَتْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ، فَفِي الْحَقِيقَةِ مَا اعْتَبَرْنَا إلَّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ. وَلَوْ قَطَعَ سَلِيمٌ يَدَ أَوْ رِجْلَ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ ثُمَّ شَلَّتْ بِفَتْحِ الشِّينِ يَدُهُ فِي الْأُولَى، وَنَقَصَتْ الْأُصْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تُقْطَعْ فِي الْأُولَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَتُقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا بِمَا عَدَا الْأُصْبُعَ الْمَذْكُورَةَ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَطَعَ كَامِلُ أُصْبُعِ الْوُسْطَى مِنْ فَاقِدِ عُلْيَا تِلْكَ الْأُصْبُعِ ثُمَّ سَقَطَتْ عُلْيَاهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَاثِلًا لَهُ.
المتن: وَيُقْطَعُ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ، وَلَا أَثَرَ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا، وَالصَّحِيحُ قَطْعُ ذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ.
الشَّرْحُ: (وَيُقْطَعُ) عُضْوٌ (سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ) إذْ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ، وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ، وَهُوَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِجُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ: تَشَنُّجٌ فِي الْمِرْفَقِ، أَوْ قِصَرٌ فِي السَّاعِدِ أَوْ الْعَضُدِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: هُوَ مَيْلٌ وَاعْوِجَاجٌ فِي الرُّسْغِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَعْسَمُ هُوَ الَّذِي بَطْشُهُ بِيَسَارِهِ أَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَعْسَرُ فِي الْعُرْفِ (وَلَا أَثَرَ) فِي الْقِصَاصِ فِي يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا)؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَمَرَضٌ فِي الظُّفْرِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِي عِلَّةِ الظُّفْرِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ خِلْقَةً وَلَمْ يَكُنْ جَافًّا وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ الْمُتَوَلِّي، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّانِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَتُقْطَعُ فَاقِدَةُ الْأَظْفَارِ بِفَاقِدَتِهَا، وَلَوْ نَبَتَتْ أَظْفَارُ الْقَاطِعِ لَمْ يُقْطَعْ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ يَدَ الْجَانِي لَوْ نَبَتَ فِيهَا أُصْبُعٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُقْطَعْ (وَالصَّحِيحُ قَطْعُ ذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا دُونَهَا (دُونَ عَكْسِهِ) لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ. تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِي طَرْدَ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى لَا خِلَافَ فِيهَا، وَالثَّانِيَةَ فِيهَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، لَا وَجْهٌ، فَجَعَلَهُ وَجْهًا وَعَبَّرَ فِيهَا بِالصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ وَلَا تُقْطَعُ سَلِيمَةُ أَظْفَارِهَا بِذَاهِبَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ كَانَ أَظْهَرَ وَأَخْصَرَ. الثَّانِي تَعْبِيرُهُ بِذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ يَقْتَضِي زَوَالَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا صَوَّرَهَا بِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ ظُفْرٌ وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَاهِبَتِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَةِ بِدُونِهَا، وَإِذَا قُطِعَتْ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ بِالسَّلِيمَةِ كَانَ لِصَاحِبِ السَّلِيمَةِ حُكُومَةُ الْأَظْفَارِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَبَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ.
المتن: وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ، وَالْأَشَلُّ: مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ عَكْسُهُ، وَلَا أَثَرَ لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ بِخَصِيٍّ، وَعِنِّينٍ.
الشَّرْحُ: (وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ) صِحَّةً وَشَلَلًا فِيمَا مَرَّ جَمِيعُهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَجِبُ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَفِي قَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَفِي إشْلَالِهِمَا الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَقَطَعَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا، وَفِي إشْلَالِ إحْدَاهُمَا إنْ عُلِمَ سَلَامَةُ الْأُخْرَى بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَلَوْ دَقَّهُمَا اقْتَصَّ بِمِثْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ كَكَسْرِ الْعِظَامِ. تَنْبِيهٌ: صِحَّةً وَشَلَلًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الذَّكَرِ، وَلَكِنَّ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ خِلَافُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بَعْدَهُ: أَيْ كَالْيَدِ صِحَّةً وَشَلَلًا (وَ) الذَّكَرُ (الْأَشَلُّ) كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْأَصْحَابِ (مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ مُنْبَسِطٌ لَا يَنْقَبِضُ أَيْ يَلْزَمُ حَالَةً وَاحِدَةً مِنْ انْقِبَاضٍ أَوْ انْبِسَاطٍ وَلَا يَتَحَرَّكُ أَصْلًا، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَلَّصُ فِي الْبَرْدِ وَلَا يَسْتَرْسِلُ فِي الْحَرِّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (وَلَا أَثَرَ) فِي الْقِصَاصِ فِي الذَّكَرِ (لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ) أَيْ ذَكَرُهُ (بِخَصِيٍّ) وَهُوَ مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ بِجِلْدَتَيْهِمَا (وَعِنِّينٍ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي نَفْسِ عُضْوِهِ، وَتَعَذَّرَ الِانْتِشَارُ لِضَعْفٍ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِسَلَامَةِ ذَكَرِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيلَاجِ فَهُوَ آكَدُ مِنْ ذَكَرِ الثَّانِي، وَلَا فَرْقَ فِي الذَّكَرِ بَيْنَ الْأَقْلَفِ الْمَخْتُونِ وَذَكَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.
المتن: وَأَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ.
الشَّرْحُ: (وَ) يُقْطَعُ (أَنْفٌ صَحِيحٌ) شَمًّا وَغَيْرَهُ (بِأَخْشَمَ) وَهُوَ مَنْ فَقَدَ شَمَّهُ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأَنْفِ وَبِأَجْذَمَ وَإِنْ اسْوَدَّ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ. وَيُقْطَعُ أَنْفٌ سَقَطَ بَعْضُهُ وَلَوْ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَجْذَمَ، فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُ، وَكَانَ صَحِيحًا قُطِعَ مَعَ الصَّحِيحِ مِثْلُ مَا كَانَ بَقِيَ مِنْ أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَجْذَمَ إنْ أَمْكَنَ.
المتن: وَأُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ
الشَّرْحُ: (وَ) تُقْطَعُ (أُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ) وَهُوَ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَعَكْسُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَيْسَ فِي جِرْمِ الْأُذُنِ، وَكَذَا صَحِيحَةٌ بِمُسْتَحْشِفَةٍ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَبِمَثْقُوبَةٍ ثَقْبًا غَيْرَ شَائِنٍ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مِنْ جَمِيعِ الصَّوْتِ وَرَدِّ الْهَوَامِّ، بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاوَيْنِ، وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِمَخْرُومَةٍ وَمَثْقُوبَةٍ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ فِيهِمَا. وَالْمَخْرُومَةُ مَا قُطِعَ بَعْضُهَا بَلْ يُقْتَصُّ فِيهَا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ كَمَا مَرَّ، وَتُقْطَعُ مَخْرُومَةٌ بِصَحِيحَةٍ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْهَا، وَثَقْبُ الْأُذُنِ الشَّائِنُ كَالْخَرْمِ فِيمَا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: الْتِصَاقُ الْأُذُنِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَلَا الدِّيَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِبَانَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا يُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا دِيَةً بِقَطْعِهَا ثَانِيًا لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ، وَلَا مُطَالَبَةً لِلْجَانِي بِقَطْعِهَا، وَأَمَّا الْتِصَاقُهَا وَقَطْعُهَا ثَانِيًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ فَيُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُوجِبُهُمَا عَلَى الثَّانِي، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا، وَيَجِبُ قَطْعُ الْأُذُنِ الْمُبَانَةِ إذَا الْتَصَقَتْ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ مَحْذُورَ التَّيَمُّمِ لِنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْأُذُنِ بِالدَّمِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ، فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْطَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِجِلْدَةٍ وَالْتَصَقَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَطْعُهَا. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْقَطْعَ ثَمَّ لِلدَّمِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ مِنْهُ بِالْمُبَانِ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْبَدَنِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَعَادَ إلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ مِنْهُ هُنَا، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأُذُنِ وَالْتَصَقَ فَلَهُ قَطْعُهُ مَعَ بَاقِيهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِبَانَةَ.
المتن: لَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ.
الشَّرْحُ: وَ (لَا) تُؤْخَذُ (عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ) وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَا تُؤْخَذُ بِهَا الْمُبْصِرَةُ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّ الْبَصَرَ فِي الْعَيْنِ بِخِلَافِ السَّمْعِ وَالشَّمِّ، وَتُؤْخَذُ الْعَمْيَاءُ بِالصَّحِيحَةِ إنْ رَضِيَ بِهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ عَطْفُ عَيْنٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيمَا قَبْلَهُ وَهُوَ يُقْطَعُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ هُنَا، وَلِذَلِكَ قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ تُؤْخَذُ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ، وَيُقْطَعُ جَفْنُ الْبَصِيرِ بِجَفْنِ الْأَعْمَى لِتَسَاوِي الْعُضْوَيْنِ فِي الْجِرْمِ وَالصِّحَّةِ، وَالْبَصَرُ لَيْسَ فِي الْجَفْنِ، لَكِنْ لَا يُؤْخَذُ جَفْنٌ لَهُ أَهْدَابٌ بِمَا لَا أَهْدَابَ لَهُ.
المتن: وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ.
الشَّرْحُ: (وَلَا) يُقْطَعُ (لِسَانٌ نَاطِقٌ) أَيْ مُتَكَلِّمٌ (بِأَخْرَسَ) لِأَنَّ النُّطْقَ فِي جِرْمِ اللِّسَانِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ إنْ رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، وَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ، وَيُقْطَعُ لِسَانُ نَاطِقٍ بِلِسَانِ رَضِيعٍ إنْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُحَرِّكُهُ عِنْدَ الْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ، كَذَا قَالَاهُ هُنَا، لَكِنْ ذَكَرَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي لِسَانِ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ كَقَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ بَلَغَ أَوَانَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَجَبَ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ كَمَا لَوْ قُطِعَ يَدُهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ.
المتن: وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ، لَا فِي كَسْرِهَا، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغِرْ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَتْ الْبَوَاقِي وَعُدْنَ دُونَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ: فَسَدَ الْمَنْبَتُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ فِي صِغَرِهِ.
الشَّرْحُ: (وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ) قَالَ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} نَعَمْ لَا تُؤْخَذُ الَّذِي بَطَلَ نَفْعُهَا أَوْ الَّتِي فِيهَا صِغَرٌ بِحَيْثُ لَمْ تَصْلُحْ لِلْمَضْغِ، أَوْ كَانَ بِهَا نَقْصٌ يَنْقُصُ بِهِ أَرْشُهَا كَأَنْ كَانَتْ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ أَنْقَصَ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ كَانَتْ مُضْطَرِبَةً اضْطِرَابًا شَدِيدًا إلَّا بِمِثْلِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِمَكْسُورَةٍ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ مَعَ أَرْشِ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَكْسُورَةِ، وَتُؤْخَذُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى، وَ (لَا) قِصَاصَ (فِي كَسْرِهَا) بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ، وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ يَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَاحْتُجَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ {أَنَّ أُخْتَهُ الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا} وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا لَوْ قُلِعَتْ مِمَّنْ لَمْ يُثْغِرْ فَعَادَتْ نَاقِصَةً اُقْتُصَّ فِي الزِّيَادَةِ إنْ أَمْكَنَ (وَلَوْ قَلَعَ) شَخْصٌ مَثْغُورٌ، وَهُوَ الَّذِي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ، وَهِيَ أَرْبَعٌ تَنْبُتُ وَقْتَ الرَّضَاعِ يُعْتَبَرُ سُقُوطُهَا لَا سُقُوطُ الْكُلِّ، قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا بِالرَّوَاضِعِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ، أَوْ غَيْرُ مَثْغُورٍ (سِنَّ) كَبِيرٍ أَوْ (صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ الْمُثَلَّثِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ الْمُعْجَمِ أَيْ لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا السُّقُوطُ، وَمِنْهَا الْمَقْلُوعَةُ (فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ) بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الشَّعْرَ تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ " صَغِيرٍ " لَكَانَ أَخْصَرَ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ (فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَتْ الْبَوَاقِي) مِنْ الْأَسْنَانِ (وَعُدْنَ) أَيْ نَبَتْنَ (دُونَهَا) أَيْ الْمَقْلُوعَةِ (وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ) أَيْ الْخِبْرَةِ (فَسَدَ الْمَنْبَتُ) بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ نَبَاتُهَا (وَجَبَ الْقِصَاصُ) فِيهَا حِينَئِذٍ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا. فَإِنْ قَالُوا: يُتَوَقَّعُ نَبَاتُهَا إلَى وَقْتِ كَذَا اُنْتُظِرَ، فَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ تَعُدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ (وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ (فِي صِغَرِهِ) بَلْ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ لِيَسْتَوْفِيَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُنْتَظَرُ كَمَالُ صَبِيِّهِمْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْوَارِثِ، وَهَذَا فِي الْمُسْتَحِقِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حُصُولِ الْيَأْسِ وَقَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَلَا قِصَاصَ لِوَارِثِهِ، وَكَذَا لَا دِيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الدِّيَاتِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا نَبَتَتْ سَلِيمَةً لِوُضُوحِهِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ مِعْوَجَّةً أَوْ بَقِيَ شَيْنٌ أَوْ نَبَتَتْ أَطْوَلَ مِمَّا كَانَتْ أَوْ نَبَتَتْ مَعَهَا سِنٌّ ثَانِيَةٌ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ نَبَتَتْ أَقْصَرَ مِمَّا كَانَتْ وَجَبَ تَقْدِيرُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الْقِصَاصِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ.
المتن: وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَلَعَ) مَثْغُورٌ (سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ) قَبْلَ أَخْذِ مِثْلِهَا مِنْ الْجَانِي أَوْ الْأَرْشِ عَنْهَا (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا لَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ انْدَمَلَتْ الْمُوضِحَةُ أَوْ نَبَتَ اللِّسَانُ، إذْ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ دِيَةُ مَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ كَالصَّغِيرِ إذَا عَادَ سِنُّهُ؛ لِأَنَّ مَا عَادَ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ فِي الْحَالِ وَلَا يُنْتَظَرُ عَوْدُهَا، فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ أَخْذِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لِلْجَانِي قَطْعُهَا وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ. تَنْبِيهٌ: فِي قَلْعِ سِنِّ الْمَثْغُورِ النَّابِتَةِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ قَلَعَهَا مِنْهُ الْجَانِي وَقَدْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ لِلْقَلْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَهُوَ سِنُّ الْجَانِي قَدْ فَاتَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ أَرْشَهَا لِلْقَلْعِ الْأَوَّلِ اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْقَلْعِ الثَّانِي وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَرْشَ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْتَصَّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَأَرْشٌ أَوْ أَرَشَانِ بِلَا قِصَاصٍ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ قَلَعَ بَالِغٌ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مَثْغُورٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقِصَاصِ وَلَا أَرْشَ كَمَا فِي أَخْذِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ بَدَلَ الصَّحِيحَةِ وَانْقَطَعَ طَلَبُهُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَادَتْ السِّنُّ لَمْ تُقْلَعْ ثَانِيًا، وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَمَّا لَوْ قَلَعَ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مِثْلِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ فِي الْحَالِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ نَبَاتِهَا اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ أَوْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ، فَإِنْ اُقْتُصَّ وَلَمْ تَعُدْ سِنُّ الْجَانِي فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَتْ كَانَ لَهُ قَلْعُهَا ثَانِيًا لِيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَا أَفْسَدَ مَنْبَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَلْعِ غَيْرِ الْمَثْغُورِ سِنَّ الْمَثْغُورِ أَنَّهَا لَا تُقْلَعُ هُنَا ثَانِيًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَمَّ إنَّمَا تَوَجَّهَ لِسِنٍّ مُمَاثِلَةٍ لِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ، فَلَمَّا لَمْ يَصْبِرْ إلَى وُجُودِهَا وَقَلَعَ الْمَوْجُودَةَ غَيْرَ الْمُمَاثِلَةِ سَقَطَ حَقُّهُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ، وَهُنَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَوْجُودَةِ لِمُمَاثَلَتِهَا الْمَقْلُوعَةَ، فَإِذَا قَلَعَهَا وَلَمْ يُفْسِدْ مَنْبَتَهَا قَلَعَ الْمُعَادَةَ لِيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَنْبَتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهَا تُقْلَعُ ثَالِثًا، وَهَكَذَا حَتَّى يَفْسُدَ مَنْبَتُهَا. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا طَلَعَتْ سِنُّ الْمَثْغُورِ ثَانِيًا أَنَّهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ أَنَّهَا لَا تُقْلَعُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَلْعِ ثَانِيًا.
المتن: وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ أُصْبُعًا فَقَطَعَ كَامِلَةً قُطِعَ وَعَلَيْهِ أَرْشُ أُصْبُعٍ، وَلَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ، لَا إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ) أَيْ شَخْصٍ (أُصْبُعًا) مَثَلًا (فَقَطَعَ) يَدًا (كَامِلَةً) أَصَابِعُهَا فَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ (قَطَعَ) يَدَ الْجَانِي (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْجَانِي (أَرْشُ أُصْبُعٍ)؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مِنْهُ أُصْبُعًا لَمْ يَسْتَوْفِ قِصَاصَهَا فَيَكُونُ لَهُ أَرْشُهَا، وَعَكْسُ هَذِهِ الصُّورَةِ (وَ) هُوَ (لَوْ قَطَعَ كَامِلُ) أَصَابِعِ الْيَدِ يَدًا (نَاقِصَةً) أُصْبُعًا مَثَلًا (فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا)؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْجِنَايَةِ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ الْيَدِ الْكَامِلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ، وَلَا لَقْطُ الْبَعْضِ وَأَخْذُ أَرْشِ الْبَاقِي. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ) الْمَقْطُوعُ الْأَصَابِعَ الْأَرْبَعَ، وَ (لَا) تَجِبُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ (إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ) بَلْ تَنْدَرِجُ الْحُكُومَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ فَدَخَلَتْ فِيهَا دُونَ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي لَا تَجِبُ إذَا لَقَطَهُنَّ، وَتَدْخُلُ تَحْتَ قِصَاصِ الْأَصَابِعِ كَمَا تَدْخُلُ تَحْتَ دِيَتِهَا، فَإِنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ) وَهُمَا حَالَةُ اللَّقْطِ، وَحَالَةُ أَخْذِ الدِّيَةِ (حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ) الْبَاقِي، وَهِيَ مَا يُقَابِلُ مَنْبَتَ أُصْبُعِهِ الْبَاقِيَةِ. أَمَّا فِي حَالَةِ لَقْطِ الْأَصَابِعِ فَجَزْمًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ أَخْذِ الدِّيَةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَوْفَ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ يُتَخَيَّلُ انْدِرَاجُهُ فِيهِ وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَهُوَ خَاصٌّ بِحَالَةِ أَخْذِ الدِّيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ يَسْتَتْبِعُ الْكَفَّ كَمَا يَسْتَتْبِعُهَا كُلُّ الْأَصَابِعِ، وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِيمَا لَوْ كَانَتْ يَدُ الْجَانِي زَائِدَةَ أُصْبُعٍ وَيَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعْتَدِلَةً فَلَقَطَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَصَابِعَ الْجَانِي الْخَمْسَ.
المتن: وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ) عَلَيْهَا (فَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ) أَيْ الْقَاطِعِ (مِثْلَهَا) لِفَقْدِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْأُولَى وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا إنْ حُمِلَ عَلَى حَالَةِ الْجِنَايَةِ اقْتَضَى أَنَّ وُجُودَ الْأَصَابِعِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنَّمَا هُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، لَا الْوُجُوبِ، فَإِذَا سَقَطَتْ الْأَصَابِعُ حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْكَفِّ فَيُقْتَصُّ كَمَا صَرَّحُوا فِيمَا إذَا قَطَعَ سَلِيمُ الْيَدِ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِمَّنْ هُوَ فَاقِدُ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ: تَكُونُ عَلَى قَصِيرٍ صَحَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ فَاقِدَهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
المتن: وَلَوْ قَطَعَ فَاقِدُ الْأَصَابِعِ كَامِلَهَا قَطَعَ كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ شَلَّتْ أُصْبُعَاهُ فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً، فَإِنْ شَاءَ لَقَطَ الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَطَعَ فَاقِدُ الْأَصَابِعِ كَامِلَهَا قَطَعَ) الْمُسْتَحِقُّ (كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا فِي مُقَابَلَتِهَا. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ قَطَعَ نَاقِصُ الْيَدِ أُصْبُعَ يَدٍ كَامِلَةٍ (وَلَوْ) (شَلَّتْ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَحَكَى غَيْرُهُ الضَّمَّ (أُصْبُعَاهُ) مَثَلًا (فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً فَإِنْ شَاءَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (لَقَطَ) أَصَابِعَ الْجَانِي (الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ) لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِأَصَابِعِهِ (وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ مَعَ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ حُكُومَةِ الْكَفِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ هُنَا لِفَهْمِهِ مِمَّا سَبَقَ فِيمَا لَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً (وَإِنْ شَاءَ) الْمَقْطُوعُ (قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا) وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ أَرْشِ الْأُصْبُعَيْنِ الشَّلَّاوَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ شَلَّاءَ جَمِيعُهَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَعَ قَطْعِهَا فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى تَتِمَّةٌ: لَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ أَصْلِيَّةٍ يَدًا مُعْتَدِلَةً لَقَطَ الْمُعْتَدِلُ خَمْسَ أَصَابِعَ وَأَخَذَ سُدُسَ دِيَةِ يَدٍ وَحُكُومَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْكَفِّ وَيَحُطُّ شَيْئًا مِنْ السُّدُسِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ الْتَبَسَتْ الزَّائِدَةُ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَا قَطْعَ، فَإِنْ لَقَطَ خَمْسًا كَفَاهُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ قَطَعَ ذُو السِّتِّ أُصْبُعَ مُعْتَدِلٍ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ الْمُمَاثِلَةُ لِلْمَقْطُوعَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةِ الْيَدِ وَسُدُسِهَا، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّ خُمُسَهَا عَشَرَةٌ وَسُدُسَهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ قَطَعَ مُعْتَدِلُ الْيَدِ ذَاتَ السِّتِّ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ يَدُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلزِّيَادَةِ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ خُمُسٍ بِسُدُسٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُدُسُ دِيَةٍ، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْهَا قَطَعَ صَاحِبُهَا مِنْهُ أُصْبُعًا وَأَخَذَ مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةِ يَدٍ وَثُلُثِهَا وَهُوَ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَانِ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا ثَلَاثًا قُطِعَ مِنْهُ أُصْبُعَانِ وَأَخَذَ مَا بَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ الْيَدِ وَخُمُسَيْهَا، وَهُوَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَتُقْطَعُ أُصْبُعٌ ذَاتُ أَرْبَعِ أَنَامِلَ أَصْلِيَّةٍ بِمُعْتَدِلَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، إذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ بِمَنْ لَهُ خَمْسٌ كَمَا مَرَّ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ فِي مُنْفَصِلَاتِ الْعَدَدِ، وَقِيلَ لَا تُقْطَعُ بِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، بَلْ يُقْطَعُ ثَلَاثُ أَنَامِلَ، وَيُؤْخَذُ التَّفَاوُتُ، وَتُقْطَعُ أُنْمُلَةُ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ أَنَامِلَ بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ أَخْذِ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ مِنْ دِيَةِ أُصْبُعٍ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ؛ لِأَنَّ أُنْمُلَةَ الْمُعْتَدِلِ ثُلُثُ أُصْبُعٍ، وَأُنْمُلَةَ الْقَاطِعِ رُبْعُ أُصْبُعٍ، وَإِنْ قَطَعَهَا الْمُعْتَدِلُ فَلَا قِصَاصَ وَلَزِمَهُ رُبْعُ دِيَةِ أُصْبُعٍ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ الْمُعْتَدِلُ أُنْمُلَتَيْنِ قَطَعَ مِنْهُ أُنْمُلَةً وَأَخَذَ مِنْهُ مَا بَيْنَ ثُلُثِ دِيَتِهَا وَنِصْفِهَا، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ.
المتن: قَدَّ مَلْفُوفًا وَزَعَمَ مَوْتَهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي إذَا (قَدَّ) شَخْصٌ شَخْصًا (مَلْفُوفًا) فِي ثَوْبٍ أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِ جِدَارًا (وَزَعَمَ) أَيْ ادَّعَى (مَوْتَهُ) حِينَ الْقَدِّ أَوْ الْهَدْمِ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ حَيَاتَهُ حِينَئِذٍ (صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ مَنْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُسْلِمًا وَادَّعَى رِدَّتَهُ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْجَانِي، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ أَوْ فِي ثِيَابِ الْأَحْيَاءِ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يُقْطَعَ بِتَصْدِيقِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ أَصْلٌ آخَرُ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَلِيُّ فَلْيَحْلِفْ يَمِينًا وَاحِدَةً، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ عَلَى الْقَتْلِ وَهُنَا عَلَى حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَسَوَّى الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَالْوَاجِبُ بِحَلِفِ الْوَلِيِّ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْقَتْلِ عَفْوَ الْوَلِيِّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ أَوْ كَالْإِقْرَارِ وَكِلَاهُمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِحَيَاةِ الْمَلْفُوفِ، وَلِمَنْ رَآهُ يَلْتَفُّ أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ الشَّهَادَةُ بِحَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهَا حَالَةَ الْقَدِّ أَوْ الْهَدْمِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ رَآهُ يَلْتَفُّ أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ.
المتن: وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا وَزَعَمَ نَقْصَهُ فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ، وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) قَتَلَ شَخْصًا ثُمَّ ادَّعَى رِقَّهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ، وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَجْهُولِ وَإِنْ (قَطَعَ طَرَفًا) لِغَيْرِهِ أَوْ جَنَى عَلَى عُضْوِهِ (وَزَعَمَ نَقْصَهُ) كَشَلَلٍ أَوْ خَرَسٍ أَوْ فَقْدِ أُصْبُعٍ وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ) أَيْ الْجَانِي بِيَمِينِهِ (إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ وَالْعَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَرَفَ بِأَصْلِ السَّلَامَةِ أَوْ أَنْكَرَهُ فِي عُضْوٍ بَاطِنٍ كَالْفَخِذِ (فَلَا) يُصَدَّقُ الْجَانِي بَلْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ. وَالْفَرْقُ عُسْرُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ نَقْصِهِ وَالثَّانِي تَصْدِيقُ الْجَانِي مُطْلَقًا لِأَصْلِ الْبَرَاءَةِ. وَالثَّالِثُ تَصْدِيقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِأَصْلِ السَّلَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ طُرُقٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ قَطَعَ: جَنَى عَلَى عُضْوٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ضَوْءَ الْعَيْنِ وَذَهَابَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ وَنَقْصَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مَا يُعْتَادُ سَتْرُهُ مُرُوءَةً، وَقِيلَ مَا يَجِبُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ، وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِذَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَدِّ الْمَلْفُوفِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الْمَلْفُوفِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبَدَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْجَانِيَ احْتَاجَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَى بَيِّنَةٍ بِالسَّلَامَةِ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ الشُّهُودِ كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَرُّضُهُمْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَسَلَامَةِ الْبَصَرِ بِرُؤْيَةِ تَوَقِّيهِ الْمَهَالِكَ وَإِطَالَةِ تَأَمُّلِهِ لِمَا يَرَاهُ بِخِلَافِ التَّأَمُّلِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْأَعْمَى، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ كَفَّ آخَرَ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي نَقْصِ أُصْبُعٍ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْوُجُودِ بِيَمِينِهِ.
المتن: أَوْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَزَعَمَ سِرَايَةً، وَالْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا أَوْ سَبَبًا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ.
الشَّرْحُ: (أَوْ) قَطَعَ (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سِرَايَةً) أَيْ أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، أَوْ قَالَ: قَتَلْتُهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (أَوْ) زَعَمَ (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ عَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ: قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السِّرَايَةِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ فَتَجِبُ دِيَتَانِ وَالثَّانِي تَصْدِيقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِمُمْكِنٍ عَمَّا لَا يُمْكِنُ لِقِصَرِ زَمَنِهِ كَقَوْلِهِ: انْدَمَلَ الْجُرْحُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُصَدَّقُ الْجَانِي فِي قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَلِيُّ السَّبَبَ فَيُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِقَتْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِيَمِينِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي دَعْوَى قَتْلِهِ، أَمَّا فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْجَانِي: أَنْتَ قَتَلْتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْكَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ: قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَسَقَطَتْ الثَّالِثَةُ بِحَلِفِ الْجَانِي، فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَهَا، وَحَلِفُ الْوَلِيِّ أَفَادَ دَفْعَ النَّقْصِ عَنْ دِيَتَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ.
المتن: وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَزَعَمَ سَبَبًا وَالْوَلِيُّ سِرَايَةً.
الشَّرْحُ: (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ) وَمَاتَ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ غَيْرَ الْقَطْعِ كَشُرْبِ سُمٍّ مُوَحٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ سِرَايَةً) مِنْ قَطْعِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ الْجَانِي السَّبَبَ أَمْ أَبْهَمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ، وَقُدِّمَ هَذَا الْأَصْلُ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مِنْ تَصْحِيحِ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ تَصْدِيقُ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ ثَمَّ مَعَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ قَدْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا بِدِيَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمُسْقِطِ لِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ السِّرَايَةُ فَكَانَتْ الْإِحَالَةُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ أَقْوَى، إذْ دَعْوَاهُ قَدْ اُعْتُضِدَتْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْجَانِي، وَإِنْ عَادَ الْجَانِي بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ فَقَتَلَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَتَّى تَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَلِيُّ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الْيَدِ فِي مُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْإِمْكَانِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ أُصْبُعَ آخَرَ فَدَاوَى جُرْحَهُ ثُمَّ سَقَطَتْ الْكَفُّ، فَقَالَ الْمَجْرُوحُ تَأَكَّلَ مِنْ الْجُرْحِ، وَقَالَ الْجَانِي مِنْ الدَّوَاءِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ إلَّا إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ فَيُصَدَّقُ الْجَارِحُ بِيَمِينِهِ.
المتن: وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ وَزَعَمَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا حَلَفَ الْجَرِيحُ وَثَبَتَ أَرْشَانِ. قِيلَ: وَثَالِثٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ) بَيْنَهُمَا وَالْجَمِيعُ عَمْدٌ أَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ خَطَأٌ (وَزَعَمَهُ) أَيْ الرَّفْعَ (قَبْلَ انْدِمَالِهِ) أَيْ الْإِيضَاحِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشٌ وَاحِدٌ، وَزَعَمَ الْجَرِيحُ أَنَّ الرَّفْعَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشُ ثَلَاثِ مُوضِحَاتٍ (صُدِّقَ) الْجَانِي بِيَمِينِهِ (إنْ أَمْكَنَ) عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ طَالَ الزَّمَانُ (حَلَفَ الْجَرِيحُ) أَنَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ (وَثَبَتَ) لَهُ (أَرْشَانِ) لِلْمُوضِحَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْحَالَيْنِ (قِيلَ: وَ) أَرْشٌ (ثَالِثٌ) لِرَفْعِ الْحَاجِزِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ رَفْعُ الْحَاجِزِ بِاعْتِرَافِهِ وَثَبَتَ الِانْدِمَالُ بِيَمِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ مُوضِحَةٌ ثَالِثَةٌ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَلِفَهُ دَافِعٌ لِلنَّقْصِ عَنْ أَرْشَيْنِ فَلَا يُوجِبُ أَرْشًا آخَرَ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ أَوْ رَفَعَهُ آخَرُ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ أَنَا رَفَعْتُهُ أَوْ رُفِعَ بِالسِّرَايَةِ صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَتَيْنِ مُوجِبَتَانِ أَرْشَيْنِ، فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا وَاسْتِمْرَارهمَا، وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: لَمْ أُوضِحْ إلَّا وَاحِدَةً، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ أَوْضَحْتَ مُوضِحَتَيْنِ وَأَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الزِّيَادَةِ.
|